تعليقاتى

abdooelsokary

طرح رئيس وزراء ماليزيا داتو سري عبد الله أحمد بدوي مشروعًا لنهضة الأمة على هدي تعاليم الإسلام؛ وذلك من أجل استعادة دور الحضارة الإسلامية، ويسمى هذا المشروع بـ"الإسلام الحضاري" (Civilizational Islam/ Islam Hadhari) ، وهو اصطلاح يقصد به المنهج الحضاري الشامل لتجديد الإسلام في ماليزيا، ويستخدم كمحرك للأمة نحو التقدم والتطور والريادة الإنسانية.

ويهدف هذا المشروع لتقديم الإسلام بمنظوره الحضاري باعتباره دينًا يشمل كافة جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويلبي متطلبات الروح والبدن والعقل، ويعالج قضايا الفرد والجماعة والدولة. كما يعرض هذا المشروع منهجا شاملا ومتكاملا للعمل بالإسلام على نحو يميزه عن مناهج الدعوة والعمل الإسلامي كالصوفية والحركات الإسلامية السياسية، فضلا عن جماعات العنف والتكفير.

المبادئ العشر

يعرف رئيس وزراء ماليزيا مشروع الإسلام الحضاري فيصفه بأنه: "جهد من أجل عودة الأمة إلى منابعها الأصيلة، وإعطاء الأولوية للقيم والمعاني الإسلامية الفاضلة لكي توجه الحياة وترشدها"، ويحدد مبادئه في الآتي:

1- الإيمان بالله وتحقيق التقوى: وذلك لأن الإيمان بالخالق هو العامل الأساسي في الاستخلاف وعمارة الحياة، بينما تقوى الله تفضي إلى جليل الأعمال وأحسن الأخلاق وأعدل العلاقات بين الناس. وبالتالي لا يقتصر دور هذا المبدأ الإيماني على تزكية الروح وتنقية المعتقد وتصحيح العبادة، وإنما يتعداه إلى العناية بالسلوك وأعمال الجوارح.

2- الحكومة العادلة والأمينة: التي جاءت عن طريق الشورى والاختيار الحر دون قهر أو إكراه، وتعمل على بسط العدل ونصرة المظلومين وردع الظالمين، وترد الحقوق إلى أهلها، وترعى مصالح الأفراد على اختلاف أعراقهم ومعتقداتهم، كما تقوم على قضاء حوائجهم بأمانة وتجرد وإخلاص.

3- حرية واستقلال الشعب: إن الحرية هي القيمة الكبرى في الحياة الإنسانية، وهي الحافز للعمل والإبداع، وبها يكون الإنسان مستقلا وحرًّا في قراراته؛ وقد خلع عن رقبته طوق العبودية والتبعية.

4- التمكن من العلوم والمعارف: فالعلم هو المرتكز الأساسي لنهضة الأمة، والوسيلة التي يستعان بها على عمارة الأرض، وتسخير ما فيها، وترقية الحياة، والانتفاع بالطيبات من الرزق.

5- التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة: التي تعني التنمية بكامل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والروحية والمادية والثقافية والحضارية، وتجعل صلاح الإنسان غاية وهدفا لها.

6- تحسين نوعية الحياة: وتعني سلامة الحياة واستقرارها وجودتها وتوفير متطلباتها الضرورية.

7- حفظ حقوق الأقليات والمرأة: رعاية حقوق الأقليات العرقية والدينية، وكذلك احترام المرأة وتقدير مكانتها وتعزيز دورها الإيجابي في المجتمع.

8- الأخلاق الحميدة والقيم الثقافية الفاضلة: العناية بالأخلاق الفاضلة والقيم المعنوية السامية في كل المجالات والجوانب، وأن تكون هي الأساس لتربية الأجيال.

9- حفظ وحماية البيئة: العمل على حماية البيئة والحفاظ عليها ومنع ما يهددها من عوامل التلوث والآفات والإهلاك.

10- تقوية القدرات الدفاعية للأمة: وذلك للحفاظ على سلامة ووحدة أراضي الدولة وحماية المصالح العليا لشعوبها والمحافظة على استقلالها وسيادتها.

لماذا الإسلام الحضاري؟

ويحدد عبد الله بدوي الأسباب التي دفعته لطرحه هذا فيقول: "إن الإسلام الحضاري جاء لنهضة وتقدم المسلمين في الألفية الثالثة، ومن أجل المساعدة على دمجهم في الاقتصاد الحديث". كما أن يصلح أن يكون "الترياق للتطرف والغلو في الدين"، وذلك لأنه "يشجع على التسامح والتفاهم والاعتدال والسلام". وفي بلد متعدد الثقافات والأعراق فإن الإسلام الحضاري يهدف لمصلحة الجميع على اختلاف عقائدهم وأديانهم وأعراقهم، ويضيف: "من المؤكد أننا كمسلمين يجب أن نعامل غير المسلمين بالحسنى والإنصاف"، مشيرًا إلى أن هذا المشروع "سوف يؤدي إلى الامتياز والتفوق، وسيكون مصدرًا للفخر والاعتزاز ليس للمسلمين وحدهم، وإنما لغير المسلمين أيضًا".

ويحدد بدوي سمات المجتمع الماليزي الذي يستهدف مشروع الإسلام الحضاري إيجاده في ثماني سمات هي:

1- أن يتحلى بالأفكار الوسطية والمعتدلة التي تساعد على تقوية بناء الأمة والدولة.

2- قوامه الأخلاق الفاضلة حتى يكون قدوة للأمة كلها والناس جميعًا.

3- يتصف بالمسئولية والجدية في تأدية دوره وواجباته.

4- تكون فيه العلاقات بين أفراده مترابطة وتقوم على الثقة والأخلاق الفاضلة.

5- يتصف بالنظام ويحترم سيادة وحكم القانون.

6- متحد الكلمة ومتعاون ومتكافل فيما بينه.

7- تطبق الدولة تعاليم الإسلام الحقيقي وتحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.

8- تكون الدولة رائدة وقائدة وليست تابعة وذليلة.

مظاهر الإسلام الحضاري وعناصره

وفي رؤية رئيس الوزراء الماليزي فإن أهم مظاهر الإسلام الحضاري تتمثل في الآتي:

العالمية: لأنه يستمد روحه ومقاصده من الإسلام الذي هو رسالة للناس كافة ورحمة للعالمين.

الربانية: حيث مصدره الأساسي وحي الخالق العظيم، ويبتغي ربط الناس بالله رب العالمين؛ فهي ربانية الغاية والهدف، كما هي ربانية المصدر والمنطلق.

الأخلاقية: فالأخلاق الفاضلة التي تفضي إلى سلوك رشيد وعلاقات طيبة بين البشر هي أبرز ما يدعو إليه الإسلام الحضاري.

التسامح: وذلك من أجل مجتمع يسوده الاستقرار والسلام والتعاون والتكافل بكافة أعراقهم ومعتقداتهم، وتفهم الآخرين واحترام خياراتهم العقدية والثقافية.

وهو يرى أن للإسلام الحضاري سمات وخصائص تميزه عن غيره من المناهج أبرزها ما يلي:

التكامل: تتكامل فيه معارف الوحي مع علوم العصر، وتتكامل فيه الجهود من حيث تناوله لشئون الفرد والمجتمع والدولة.

الوسطية: يقوم المشروع على الاعتدال في منهجه، ويعتمد على التدرج واليسر في طريقة تطبيقه، ومن خلال ذلك يكون التوازن بين مصلحة الأفراد ومصلحة الجماعة، والتوازن بين متطلبات الروح والمادة، وبين المثال والواقع.

التنوع: من حيث مادته التي تغطي مجالات عديدة، وتهتم بمستويات مختلفة، كما تستوعب المتغيرات، وتأخذ من التجارب والحكم البشرية النافعة والصالحة.

الإنسانية: بمعنى أنه رسالة موجهة إلى الإنسان، وتهدف إلى رعاية مصالحه الضرورية والحاجية والتحسينية، وكفالة حقوقه الأساسية، وحفظ دينه وعقله ونسله وعرضه وماله.

عناصر الإسلام الحضاري

يقوم مشروع الإسلام الحضاري -كما يطرحه عبد الله بدوي- على عشرة عناصر أساسية ينبغي على المسلمين أفرادًا وجماعات العمل على تحقيقها، وهي:

1- التعليم الشامل: الذي يجمع بين معارف الوحي وعلوم العصر، ويغطي فروض الكفاية والأعيان ويؤدي واجبات الوقت دون تقصير.

2- الإدارة الجيدة: التي تحسن إدارة الموارد البشرية والمادية وتوظيف الاستخدام الأمثل لها.

3- التجديد في الحياة: بمعنى ترقية أساليبها من ناحية التمدن والحضارة.

4- زيادة جودة الحياة: وتوفير متطلبات الحياة الكريمة على أجود هيئة وأكمل حالة.

5- قوة الشخصية: من حيث الإخلاص والأمانة؛ فالإخلاص أساس الأقوال والأعمال، بينما الأمانة عماد المجتمع والدولة، وبغيرهما لا يمكن إيجاد الإنسان الصالح والمجتمع الصالح. وهي أخلاق تقوم عليها الحضارات، وبغيابها تزول وتغرب.

6- الحيوية والنشاط: من حيث استجابته للمتغيرات وإدراكه لمتطلبات الحياة المتجددة ومسائلها المتشعبة.

7- الشمول والسعة: يقوم المشروع على الفهم الشمولي للإسلام؛ فهو لا يركز على جانب دون الآخر، ولا يأخذ تعاليم الإسلام مجزأة. ويعتبر الإسلام منهج حياة كاملا؛ فهو عقيدة وعبادة، وأخلاق ومعاملة، وتشريع وقانون، وتربية وتعليم، ودولة ونظام، يتناول مظاهر الحياة كلها، ويحدد منهاجًا للسلوك البشري في كافة أطواره.

8- العملية والواقعية: لا يجنح إلى المثالية المجردة؛ فهو منهج عملي واقعي من حيث مراعاته واقع الحياة وطبيعة الإنسان وتفاوت الناس في استعداداتهم ومداركهم وحاجاتهم ومطالبهم.

9 - الاستقلالية وعدم التبعية للأجنبي: سواء كانت تبعية فكرية أو ثقافية أو اقتصادية وسياسية.

10- تعزيز المؤسسة الأسرية: فالأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع، وبصلاحها يصلح المجتمع وتترابط علاقاته وتتوحد مشاعره.

التحديات التي تواجه الإسلام الحضاري

وبعد أن يعرض رئيس الوزراء الماليزي لجوانب رؤيته يحدد جملة من التحديات التي تواجه مشروع الإسلام الحضاري، وهي في جملتها تحديات داخلية، أبرزها:

1- الجمود والتقليد: يقف تيار الجمود والتقليد عقبة أمام محاولات التجديد والاجتهاد بدعوى الإبقاء على القديم وإن لم يكن صالحًا لعصرنا؛ وهو تيار يعبر عن نفسه في الجمود المذهبي والتقليد الفكري.

2- التطرف: وهو تيار أفرزته المشكلات والاختلال العميق في المجتمعات المسلمة، ويعبر عن نفسه في حركات التطرف الفكري والسلوكي.

3- الانعزال والترهب: وهو تيار ينتشر وسط الأمة الإسلامية، وتغذيه المواقف السلبية الداعية إلى الزهد والرهبنة والابتعاد عن الدنيا والانصراف عنها كلية.

4- العلمانية: وهي اللادينية التي ترفض ارتباط الدين بالحياة، وتوجيهه لجوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتحارب تدخل تعاليم الدين في شئون الدولة والحكم.

5- أحادية المعرفة: المعرفة الجزئية سواء بالشرع أو الواقع تؤدي إلى نظرة جزئية للأمور وتحجب عن صاحبها معرفة الأبعاد الحقيقية للقضايا، وبالتالي يكون حكمه قاصرًا وعاجزًا عن المعالجة الوافية، ولا بد من معرفة بالشرع والواقع معًا.

6- الضعف في إدارة الوقت: إن إهدار الوقت وعدم إدراك قيمته من أوضح أسباب الفشل والتردي في الحياة العامة في البلاد الإسلامية.

شهادة من قريب

داتو بروفيسور عبد الله محمد زين، وزير الشئون الإسلامية والأوقاف بماليزيا هو أحد أبرز المفكرين الماليزيين الذين ساهموا في المشروع، وهو أستاذ سابق للدراسات الإسلامية بالجامعة الوطنية الماليزية، حصل على درجة الدكتوراة من جامعة الأزهر، وعمل نائبًا لمدير جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا. وله مساهمات في مجال الفكر والدعوة الإسلامية، وعرف بالاعتدال والوسطية.

وقد شرح محمد زين المشروع في كلمة ألقاها أمام المؤتمر العالمي حول قضايا الإسلام الحضاري، فقال: "الإسلام الحضاري هو مدخل لتجديد المجتمع المسلم، ويقدم منهجًا جديدًا وصحيحًا لفهم الإسلام في الوقت المعاصر. وعليه فإن الإسلام الحضاري هو جهد لإعادة دور الحضارة الإسلامية التي تقوم على القرآن والسنة، ولا يمكن أن ينحرف عن العقيدة الصحيحة".

ويفسر أسباب وتوقيت طرح المشروع، فيقول: "لأن الغربيين يسيئون فهم الإسلام ويتهمونه بالتطرف وينظرون إليه نظرة سلبية؛ فقد قامت الحكومة الماليزية بالدعوة لهذا المشروع".

وهو يرى أن "الإسلام الحضاري يؤكد على تنمية الجوانب الحضارية التي تستند على العقيدة الصحيحة، كما يهتم بتحسين وتطوير نوعية الحياة عبر المعرفة والعناية بالجوانب الروحية والمادية. وهذا المشروع يتسق ويتناغم مع مبادئ خطة الإستراتيجية العشرينية التي تهدف إلى أن تصير ماليزيا بحلول عام 2020 دولة صناعية متقدمة ومتطورة، وهذه التنمية المراد تحقيقها ليست تنمية للقطاع الاقتصادي فحسب، بل هي تنمية تشمل الجوانب الاجتماعية والروحية والثقافية والمادية".

ويولي مشروع الإسلام الحضاري أهمية خاصة لبناء الذات؛ فهو "يركز على المعرفة والتعليم والمعرفة العقلية والنقلية، كما يشجع على معرفة وتوظيف تقنية المعلومات. والمشروع لا يعني الإسلام التحرري بمعنى التحرر من القيود الأخلاقية أو التأثر بالغرب، ويغمض العين عن الجوانب السلبية في الحضارة الغربية".

ولا يتعجل زين تطبيق المشروع أو فرضه سريعًا، ويقول: "ستجتهد الحكومة الماليزية في تنزيل ذلك على الواقع بسلاسة وتدرج؛ لأن التطبيق الحكيم والمتأني يؤتي ثمارًا جيدة، وإلا فمن الممكن أن يرفض المجتمع المفهوم الجديد. والمشروع قابل للتطوير واستيعابه للأفكار والاجتهادات النافعة والجديدة؛ فنحن في حاجة لتلبية متطلبات الحياة المعاصرة بما يتفق مع إسلامنا وتعاليم ديننا".

ويضيف داتو عبد الله قائلا: "في ظل الإسلام الحضاري نسلم بتعدد وجهات النظر واختلاف الآخرين معنا، وهذا الاختلاف هو اختلاف تنوع وليس اختلاف أضداد؛ مما يعني أنه يثري الفكرة ويطورها، خاصة إذا روعي أدب الاختلاف والحوار"، والإسلام الحضاري "ليس مذهبًا جديدًا أو فرقة مبتدعة، كما لا يجبر أي مسلم على الاقتناع بها، وإنما هو مشروع لإحياء الأمة".

وبالتالي فإن الإسلام الحضاري "هو اجتهاد بشري وليس وحيًا معصومًا؛ ولذلك هناك احتمال الاختلاف معه". ومن خلال مشروع الإسلام الحضاري تحاول ماليزيا أن تقدم نموذجًا للعالم يمكن أن يقتدى به.

ويقول داتو عبد الله: إن هذه الفكرة المبدعة من رئيس الوزراء تهدف إلى الاستقرار السياسى والسلام الاجتماعي واستدامة النمو في ماليزيا؛ لأنها من العناصر المهمة لاستدامة النمو الاقتصادي. ويولي المشروع اهتمامًا للتعليم الإسلامي واللغة العربية ومواد التربية الإسلامية والفقه الضروري، ويبدأ تطبيق منهج تعليمي لهذا الغرض من المراحل التعليم الأولى، خاصة للتلاميذ المسلمين حتى يعمقوا صلتهم بالإسلام ويتمثلوه في حياتهم. والحكومة حريصة على الأمانة والطهارة ومحاربة الرشوة وتعمل جاهدة بكل الوسائل في هذا المضمار.

هل التحديث من سمات الإسلام الحضاري؟

يجيب داتو عبد الله زين عن هذا السؤال فيقول: "الوسطية والتوازن هي أهم سمات مشروع الإسلام الحضاري، والتحديث لا يعني إهمال القديم، وهناك حرج في وصف المشروع بالحداثة؛ لأنها غالبًا ما تقترن بالمفاهيم الغربية، وكذلك الحال بالنسبة لوصف الإسلام التقدمي، ونفضل إطلاق وصف الوسطية على مشروع الإسلام الحضاري".

ويضيف: "الوثائق الرئيسة للمشروع قيد المراجعة من قبل وزارة الشئون الإسلامية ومعهد تفهيم الإسلام، وتشتمل على 60 صفحة، وسيطالع رئيس الوزراء بنفسه هذه الوثائق ليخرج المشروع في ثوب قشيب. وسيكون باللغة الملايوية، ثم يترجم إلى اللغتين العربية والإنجليزية. ويشمل ذلك أهداف المشروع، ومبررات الأخذ بالإسلام كمنهج حياة متكامل من أجل تطوير المسلمين وزيادة تقدمهم في مجالات العلوم والتقنية والاقتصاد والإدارة والأخلاق. وسيكون الكتاب مشروعًا متكاملا ودليلا واضحًا. والآن تمهد الحكومة لقيام منابر تناقش قضايا الاقتصاد والتعليم والثقافة، وتجمع المختصين والخبراء وعلماء الشريعة.

ما الفرق بين الإسلام الحضاري والإسلام السياسي؟

يقول داتو عبد الله زين إجابة عن هذا السؤال: "الإسلام الحضاري يبدأ من أسفل إلى أعلى، ومن القاعدة إلى القمة، ومن الجمهور والقرى إلى القادة بطريقة منظمة ومتدرجة ورفيقة، وبالتركيز على الأولويات حيث العبرة بالمعاني والمقاصد لا الألفاظ والعبارات".

"الإسلام الحضاري ليس دينا جديدا ولا مذهبا فقهيا مبتدعا، وإنما هو طريقة تقوم على مثل وقيم الإسلام الخالدة لتعزيز تقدم الحضارة الإسلامية، وهي طريقة لعرض الإسلام بواقعية وعملية وعودة الأمة إلى مصادر الإسلامية الأصيلة ومبادئه القويمة. ويعطي مشروع الإسلام الحضاري مزيدًا من الاهتمام لزيادة جودة الحياة الإنسانية لكل الناس بغض النظر عن أعراقهم وثقافاتهم ومعتقداتهم".

ويعزز ذلك هدف الرؤية الإستراتيجية لماليزيا بحلول عام 2020 أن تكون دولة متقدمة، كاملة التطور ومنجزة لعملية التنمية المتوازنة والشاملة والمتوازنة بكامل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والروحية والمادية والثقافية والحضارية، وأن تحقق مراتب متقدمة في العدالة الاجتماعية والمثل المعنوية والاستقرار السياسي والمشاركة الشعبية وجودة الحياة ونزاهة الحكومة والوحدة الوطنية.

walaaabdelsatr

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انا الطالبه ريهام محمود احمد حسن لقد حاولت ان اتواصل مع سيادتكم لمناقشه بحث اعمال السنه الخاص بالفرقه الرابعه ولكنى لم اتمكن من التواصل.واشكر سيادتكم على مجهوداتكم العظيمه فى تطوير التعليم الالكترونى مما يتيح لنا الفرصه لنتزود من ينابيع المعرفه التكنولوجيه وكان الله فى عونكم وجعل موقعكم منيرا بضروب المعرفه وجعله فى ميزان حسناتكم

DrNabihaGaber

السلام و التحيه
ربنا يسعد قلبك بقى لى مده مضحكتش أنا و عائلتى قد كده
تحياتى

abdooelsokary

سوف نتحدث في هذا المقال عن شخصية النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- باعتباره القدوة الحسنة المرتضاة من الله تعالى لكافة البشر، هذه الشخصية التي تكلم عنها بعض وسائل الإعلام العالمية بما لا يليق بها، في حين أننا نلاحظ أنه يُطبّل لأناس لا يتوفر فيهم معشار جزء من خلقه فهو صلوات الله وسلامه عليه،جمع الفضائل كلها،والمكارم جميعها،والمحامد بأكملها،إليه ينتهي الخير،وفيه تأصل البر،وعلي يديه فاض النور وأشرقت الهداية، وبه أنقذ الله البشرية، وأخرجها من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد،ومن ضيق الدنيا إلى سعتها،ومن جور الطواغيت إلى عدل الإسلام.

ومن أجل ذلك كانت سيرته من أجمل السير،وصفاته من أنبل الصفات، وأخلاقه من أعظم الأخلاق، وحياته من أروع الحياة وأوفاها وأشملها.

نعم إن التاريخ الإنساني على وجه الأرض لم يعرف عظيما من العظماء ولا زعيما من الزعماء ولا مصلحا من المصلحين استوعب في صفاته الذاتية والعقلية والنفسية والخلقية والدينية والروحية والاجتماعية والإدارية والعسكرية والتربوية ما استوعبه شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما اختصه الله به من الكمالات التي تشرق في كل جانب من جوانبها وتضيء في كل لمحة من لمحاتها، حتى استحق أن يصفه الله عزوجل بالنور في مثل قوله تعالى (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)(المائدة 15).

ولا عجب في ذلك، فقد أرسله الله للناس كافة، قدوة صالحة لهم،ورحمة للعالمين. وهو القائل عن نفسه (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).(الموطأ).

فرسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن بعثه الله عزوجل للناس نبيا ورسولا كانت حياته صورة صادقة للدين الذي جاء به من عند الله، وما أجمل ما وصفته عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عنه، فقالت (كان خلقه القرآن).
أي أنه كان قرآنا حيا متحركا ملتزما بأحكامه ، عاملا بتوجيهاته، متبعا لهديه،ومنتهيا عند نهيه،يدعو إلى نوره، ويحتكم إلى شريعته،من أجل ذلك قال الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)(الأحزاب 21).

فهو القدوة إلى الخير والأسوة بين الناس إلى رضوان الله.
وأيما دعوة من الدعوات، لا يتأتى لها النجاح والانتشار ما لم يكن لها من أصاحبها والداعين إليها قدوات صالحة في التطبيق العملي لتلك الدعوة في أخلاقهم وسلوكهم ومواقفهم في الحياة.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في ذلك فقد صنعه الله على عينه، وأدبه فأحسن تأديبه، وأعده لحمل رسالته وتبليغ دعوته وإخلاص العبودية لرب العالمين قال سبحانه: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)(القلم 4).

وسيرته صلى الله عليه وسلم العطرة سجل حافل بالمآثر مليء بالمكرمات، مفعم بالفضائل، إنه كنز المواعظ والعبر،ومدخر الدروس التي تنبض بالنور،ترشد إلى الخير،وتوقظ الهمم، وتشحذ العزائم،وتذكي الإيمان، وترسم الطريق إلى مرضاة الله، وتضع المعالم أمام الدعاة والمصلحين،وتجسم القيم العليا والمبادئ الرفيعة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم،واقعا محسوسا،وحياة كريمة فاضلة.

فما نقرأه عما ينشر عنه في العالم الآخر من معلومات مغلوطة وكاذبة وذلك باتهامه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - بأنه رجل حرب ونهب وسلب، وأنه كان غليظ القلب، وأن الدين الذي جاء به دين العنف والرهبة والقتال، وصار بعض الرموز عندهم يُنعتون بأنهم رجال المحبة والرحمة والسلام، وتناسى الناس في زحمة الكذب الإعلامي والتزوير في الحقائق التاريخية والدينية والثقافية شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الشخصية التي نالت القدر الأوفى من كل الشمائل والخصال النبيلة، والقيم الإنسانية العليا.
لقد كان ميلاد محمد -صلى الله عليه وسلم- إيذاناً ببدء ثورة شاملة، حررت الإنسان والزمان والمكان، ورفعت عنها إصر عبوديات وأغلال كثيرة كانت تعيق انطلاقها جميعاً، فأخذ الإنسان حريته بيده، وصاغ هوية زمانه ومكانه صياغة جديدة، فجرت عناصر الخير في كل شيء، كان احتجاجاً قبلياً على كل عناصر الخير، فوقف الإنسان على ربوة التاريخ يسدّد خطواته نحو الأشرف والأفضل، ووقف المكان ليُلهم ويحتضن وينبت الأروع والأنصع، ووقف الزمان ليفسح ويتيح للأكمل والأشمل!
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسّم وثناء
ولقد شكلت شخصية محمد -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- الرجل الذي اكتملت فيه كل الأخلاق الحميدة، وانتفت منه كل الأخلاق الذميمة، ولذلك خاطبنا الله بقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). والمطّلع على سيرة النبي محمد -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- يدرك أنها كانت حقيقة تاريخية لا تجد الإنسانية غيره قدوة حسنة تقتدي بها، وهي تتلمس طريقها نحو عالم أكمل وأمثل، وحياة فُضلى، ومن الطبيعي ألا تجد الإنسانية مثلها الأعلى في شخصيات وهمية، وإلا فهي تضلّ طريقها المستقيم وتسير مقتدية بالخيال والأوهام، فمن حقنا إذاً أن نتخذ من سيرة النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- نموذجاً لسلوكنا في حياتنا.
وحياة محمد -صلى الله عليه وسلم- تكشف أمامنا المثلى الأعلى في جميع أحوال الحياة؛ في السلم والحرب، في الحياة الزوجية، مع الأهل والأصحاب، في الإدارة والرئاسة والحكم والسياسة، في البلاغ والبيان، بل في كل أوجه الحياة. فمحمد -صلى الله عليه وسلم- هو المثل الكامل.

ولن تجد الإنسانية في غيره مثلاً حياً لها؛ فسيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- حقيقة تاريخية، يصدّقها التاريخ الصحيح ولا يتنكر لها، وهي سيرة جامعة محيطة بجميع أطوار الحياة وأحوالها وشؤونها، وهي سيرة متسلسلة لا تنقص شيئاً من حلقات الحياة، وهي أيضاً سيرة عملية قابلة للتطبيق، ذلك أن ما كان يدعو إليه محمد -صلى الله عليه وسلم- في القرآن والحديث كان يحققه بسيرته أولاً، وهذا ما شهد به معاصروه، فقالت عائشة -رضي الله عنها- وقد سئلت عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم: «كان خلقه القرآن».
فهو قدوة الرجال وحبيب الله ورحمة العالمين وأساس سلم العالم محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

محمد الرحمة المهداة:

إن رحمة النبي -صلى الله عليه و سلم- بُعد مهم في شخصيته، وفي دعوته، ومن صميم شخصيته رسولاً ونبياً ومبلغاً عن ربه وهادياً للناس. وحينما نقرأ قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ونقف أمام الآية ندرك سعة رحمة هذا النبي الكريم، وكيف كان صلى الله عليه وسلم يفيض رحمة في خلقه وسلوكه وأدبه وشمائله. وإنه لتناسب وتآلف في أرقى مستوياته بين الرسالة والرسول في هذه الرحمة، حتى لا يُتصور أن يحمل عبء بلاغ هذه الرحمة إلى العالمين إلا رسول رحيم ذو رحمة عامة شاملة فياضة طبع عليها ذوقه ووجدانه، وصيغ بها قلبه وفطرته..(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) [التوبة: 128]. فهو مثل أعلى للرحمة الإلهية لذلك وصفه الله تعالى بأنه رؤوف رحيم.

لقد أرسله الله تعالى رحمة للعالمين.. رحمة شاملة للوجود بأجمعه. يستطيع المؤمنون الاستفادة من الرحمة التي كان يمثلها النبي -صلى الله عليه و سلم- ذلك لأنه (بالمؤمنين روؤف رحيم) ويستطيع الكافرون والمنافقون أيضاً -إلى جانب المؤمنين - الاستفادة من هذه الرحمة كذلك. فعندما قيل له: ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أُبعث لعانًا، وإنما بُعثت رحمة".
كما أن رحمته شملت أسرته وأمته وأصحابه، فقد كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته، من طيب كلامه، وحُسن معاشرة زوجاته بالإكرام والاحترام، حيث قال عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". كما أنه في تعامله مع أهله وزوجه كان يُحسن إليهم، ويرأف بهم ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم. كما كان يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم، وكانت عائشة تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، فيقول لها: (دعي لي)، وتقول له: دع لي.
وكان صلى الله عليه وسلم رحيماً بالجميع، بل إنه يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه. و كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم. وجاء الحسن والحسين، وهما ابنا ابنته وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر، فحملهما حتى ووضعهما بين يديه، ثم قال صدق الله ورسوله(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [لأنفال:28] نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.
فرحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- جعلته لطيفاً رحيماً، فلم يكن فاحشاً ولا متفحّشاً، ولا صخّاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. بل إن سيدنا أنس -رضي الله عنه- يقول: "خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، والله ما قال أفّ قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا" ، وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادماً له، ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله". وفي رواية "ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله" .
ولذلك قال فيه القرآن الكريم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشاورهم في الأمر) [آل عمران:159] ، فقد كان منهجه الرحمة بالعباد والتخفيف من الإصر والغلال التي عليهم، وهو في هذا يقول صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) .
وتتجلّى رحمته -صلى الله عليه وسلم- بالمذنبين، وبمن لا يعرفون كيف تقضى الأمور فيعفو ويصفح ويعلم، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَه مَه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (لا تزرموه، دعوه) ، فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن" قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه".
كانت رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل غضبه، بل إنه في الحرب كان يقاتل بشجاعة، ولكنه أيضاً كان صاحب شفقة عظيمة، كان سياسياً، ولكنه في الوقت نفسه صاحب مروءة كبيرة وقلب كبير. ففي غزوة أحد استشهد عمه حمزة أسد الله ورسوله رضي الله عنه، ومُزّق جسده تمزيقاً. كما مُزّق جسد ابن عمته عبد الله بن جحش تمزيقاً. وشُجّ رأسه المبارك صلى الله عليه وسلم، وكُسِرت رباعيّته، وغطّى الدم جسده الشريف.
وبينما كان المشركون جادّين في حملتهم لقتله كان أكثر رحمة بهم، وكان يدعو: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". فهل يوجد أرحم من محمد في مثل هذه اللحظات.
وفي فتح مكة كيف تعامل مع من أخرجوه وظاهروا على إخراجه وإيذائه؟ وكيف تعامل مع من حاصروه في شعب أبي طالب وتسببوا في وفاة أحب زوجاته إليه خديجة الكبرى رضي الله عنها، وفي وفاة عمه أبي طالب؟ فكيف كانت معاملته لأهل مكة بعد كل هذا التاريخ المملوء عداوة وبغضاً؟
لقد دخل مكة بعشرة آلاف مقاتل، دخل على مركبه، والدرع على صدره، والمغفر على رأسه، والسيف في يده، والنبال على ظهره، ولكنه مع كل مظاهر لباس الحرب هذه كان أنموذجاً للرحمة.
سأل أهل مكة: «ما ترون أني فاعل بكم؟» فأجابوه: "خيراً أخٌ كريمٌ وابن أخ كريم" فقال لهم ما قاله يوسف عليه السلام لإخوته: (لا تثريبَ عليكم اليوم يَغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) (يوسف: 92) لقد قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطُلَقاء".
هذا هو محمد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذه رحمته التي شملت كل الناس، واستمرت دستوراً هادياً إلى أن تقوم الساعة، وليست تلك الرحمة الكاذبة التي تأتي ردود أفعال من أناس يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، كما أنها ليس تلك الرحمة ذات الوجهين التي تُطبّق على البعض، ويُحرم منها البعض، كما نراه في كثير من الشخصيات والنظم والقوانين الدولية والمحلية، التي تحاكم آخرين وتستثني آخرين. أو تلك المؤسسات والشخصيات التي ترأف وترحم الحيوان، ولكنها تشرّع لظلم الإنسان لأخيه الانسان.

أم لم يعرفوا رسولهم؟

يقول الله تعالى في محكم تنزيله: (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون) [المؤمنون: 69]، هذه الآية تشكل في الحقيقة مسوغًا هاماً لنا في تناول شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك أن معرفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سيرته وفي سنته وفي شمائله من أهم الأمور التربوية التي تساعدنا على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم. فإنه لا توجد سيرة أخرى أجدى بأن تُقتدى ويُحتفل بها مثل سيرته صلى الله عليه وسلم. وفي تاريخ البشرية كلها لا نجد حياةً نُقلت إلينا تفاصيلها، وحُفظت لنا وقائعها في وضوح كامل، وتفصيل عميم شامل كما حُفظت، وكما نُقلت إلينا حياة محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- رسول الله ورحمته المهداة إلى الناس أجمعين، فكل كلمة قالها، وكل خطوة خطاها، وكل بسمة تألّقت على محيّاه، وكل دمعة تحدرت من مآقيه، وكل مسعًى سار لتحقيقه، وكل مشاهد حياته حتى ما كان منها من خاصة أمره، وأسرار بيته، وأهله، نُقل إلينا موثّقاً بأصدق ما عرف التاريخ الإنساني من توثيق وتدوين.

ولا عجب في هذا، فمادام الله قد اختاره ليختم به النبوة والأنبياء، فمن الطبيعي أن تكون حياته منهجاً جليلاً لأجيال لا منتهى لأعدادها، وأن تكون هذه الحياة بكل تفاصيلها أشد وضوحاً، وتألقاً من فلق الصبح ورابعة النهار، لا بالنسبة إلى عصره فحسب، بل بالنسبة إلى كل العصور والأجيال.
إن حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وشمائله، وجوانب شخصيته، ونتائج دعوته درس لكل سالك إلى طريق الله، وكل قائد أو مربٍّ أو رب أسرة أو سالك أي سبيل من سبل الخير إلى أن ينقطع الزمان.

و أهم أبعاد شخصيته صلى الله عليه وسلم، هو المحبة. فكيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل محبة؟ وما هي الجوانب التي شملها هذا الخلق العظيم؟ وما موقفنا نحن تجاه محبته؟

منهجه يدعو إلى مجتمع المحبة:

إنها لصورة قاتمة باهتة مخيفة تلك التي رسمها البعض للإسلام في أذهان الناس حتى صار الناس يخافون من الدين ومن التدين؛ لأنهم يظنونه شيئاً قاسياً لا يرحم، وأتباعه غلاظ لا يلينون، وأحكامه سيف قاطع على الرؤوس.
وقد استثمر البعض الموقف، واتهموا النبي -صلى الله عليه وسلم- والإسلام بالحقد والكراهية، وكل أوصاف التجهم والتعصب والعنف، حتى لكلأنها صارت حقيقة، وأُسقط في أيدينا، وظن بعضنا أن هذا الزيف حقيقة.
ولكن الحقيقة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نور يُستضاء به في ظلام الجاهلية، ومحبة خالصة تؤلف بين القلوب، وأن الإسلام شمس مضيئة أنارت ظلام الجاهلية، وهو دين الحب والأمل و الحياة واليسر، و شرائعه هي شرائع الحق والعدل، وأحكامه هي أحكام الحياة.
وللقيمة الرفيعة لخلق الحب والمحبة في الحياة، وأهميته في تحقيق السعادة للفرد والأسرة والمجتمع والأمة والإنسانية، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- سعى لتحقيقه بوسائل متعددة، وربّى أصحابه وأمته على هذه النفسية الراقية، وحث على إشاعته بين الناس، ببناء كل العلاقات على أساس من الحب؛ حبّ الله، وحب الخير، وحب الصلاح والصالحين، وحب الإنسانية.
وبعبارة أخرى فإن نهجه صلى الله عليه وسلم، وحياته كلها دعوة للتحابب. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه مسلم في كتاب الإيمان‏:‏ ‏"‏لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا‏، ولا تؤمنوا حتى تحابوا‏.‏ أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم‏؟ أفشوا السلام بينكم"‏‏.‏
وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏"‏سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله‏:‏ الإمام العادل‏.‏ وشاب نشأ بعبادة الله‏.‏ ورجل قلبه معلّق في المساجد‏.‏ ورجلان تحابّا في الله: اجتمعا عليه وتفرّقا عليه‏.‏ ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال‏:‏ إني أخاف الله‏.‏ ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله‏.‏ ورجل ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه‏".‏ فمن الناس الذين يصلون إلى تلك المرتبة العالية يوم القيامة ‏‏(ورجلان تحابا في الله‏)‏ فاجتمعا على حب الله وافترقا على حبه‏.‏ بمعنى أن سبب اجتماعهما حب الله، واستمرا على ذلك حتى قضى الله أمراً كان مفعولاً فتفرّقا بموت أو سفر أو غيره، وهما صادقان في حبّ كل واحد منهما صاحبه لله تعالى، حال اجتماعهما وافتراقهما‏.‏
ليس هذا فحسب، بل إن شرائع الإسلام وأحكامه كلها دعوة للمحبة، فالزكاة مثلاً التي هي قرينة الصلاة وجوباً وأهمية، فإن المستفيد منها وهو الفقير يشعر بأنه ليس وحده في المجتمع، وإنما هو فرد في جماعة لا تنساه وتكفله، ومن هنا تتلاشى الأحقاد وتنبت المحبة والألفة، وهكذا تكون الجماعة كالجسد الواحد، الغني يدفع من مال الله الذي عنده فيجد البركة والنماء، والفقير يتناول رزق ربه فيسدّ حاجته، والمجتمع ينقى ويطهر من الأمراض الخبيثة.
ولهذا فإن حب الخير للناس مما يقوم عليه ويتقوى به إيمان المؤمن، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن رجلاً لم يعمل خيراً قط، وكان يداين الناس، فكان إذا أرسل غلامه للتقاضي يقول له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فلما هلك سأله الله تعالى: هل عملت خيراً قط؟! قال: لا إلا أنني كنت أداين الناس فكنت أقول لغلامي: خذ ما تيسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فقال الله له: قد تجاوزت عنك".
فهذه العلاقة بين المؤمن والمؤمن يحرص عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنها تهب الجماعة المسلمة قوتها وصلابتها؛ فلا تهون ولا تتفتت ولا تعبث بها الفتن، فيقول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، فإن كل مؤمن هو لبنة في بناء المجتمع، يدخل الإيمان بينه وبين غيره كالمونة اللاصقة الجاذبة الموضوعة بين لبنات البناء، فيشتد البناء ويقوى وترتفع هامته، ثم إن من فيض الإيمان تنبعث الرحمة الهادية، التي ترجو ما عند الله، وإنه لحق، حيث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة". ذلك هو الحب الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- لبناء المجتمع عليه.

النبيّ الإنسان المحبّ:

وإذا التفتنا إلى حياته الخاصة صلى الله عليه وسلم في بيته ومع أولاده وأهل خاصته وجدناه المثل الأعلى في الحب والود والشفقة. فكان صلى الله عليه وسلم يحب الأطفال، ويقبّل أولاده، ويعطف عليهم، ويأمر بالمساواة في المحبة بينهم، كما كان يحب أهله وزوجاته، وهو القائل: "حبب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء، وجُعلت قرة عيني في الصلاة".
لقد كان صلى الله عليه وسلم يحترم ويود ويحب زوجاته، ويقدر مشاعرهن بطريقة لا يرقى إليها أي من المحبين الذين ادّعوا أو أحبّوا أهليهم وأولادهم.
لقد كان قدوة، بل خير قدوة صلى الله عليه وسلم، فقد كان يعيش بين أزواجه رجلاً ذا قلب وعاطفة ووجدان، حياته مليئة بالحب، والحنان، والمودة، والرحمة.

ومما يذكر أنه كان مع عائشة -رضي الله عنها- التي يحبها كثيراً، يراها تشرب من الكأس فيحرص كل الحرص على أن يشرب من الجهة التي شربت منها، وهي صورة يندر أن يقوم به مدّعو الحب بيننا، إنه حب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- للصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما.
ومِن تودّده لها وزيادة في حبها أنه كان يسابقها في وقت الحرب، يطلب من الجيش التقدم لينفرد بأم المؤمنين عائشة ليسابقها ويعيش معها ذلك الحب الزوجي الراقي.

وفي المرض، حين تقترب ساعة اللقاء بربه وروحه تطلع إلى لقاء الرفيق الأعلى، لا يجد نفسه إلا طالباً من زوجاته أن يمكث ساعة احتضاره صلى الله عليه وسلم إلا في بيت عائشة، ليموت ورأسه على صدرها، ذاك حبّ أسمى وأعظم من أن تصفه الكلمات أو تجيش به المشاعر.
إنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرسم لنا طريقاً للحب فريداً من نوعه أوسع مما حصرته فيها مفاهيمنا المادية العلمانية التي تضيّق علينا واسعاً وتحرمنا من مشاعرنا. ولذلك فهو في حبه هذا لعائشة -رضي الله عنها- لا يجعله هذا الحب أن ينسى أو يتناسى حبه العظيم الخالد لخديجة الكبرى التي كانت أحب أزواجه إليه، والتي قدمت له في ساعة العسرة ما لم يقدمه أحد آخر.
وفي لحظة شعور امرأة تسأله السيدة عائشة -رضي الله عنها- وتقول: ما لك تذكر عجوزاً أبدلك الله خيراً منها (تعني نفسها)؟! فيقول لها: لا والله، ما أبدلني زوجاً خيراً منها، ويغضب لذلك، ويبين لها أن حب خديجة لم يفارق قلبه أبداً، ذلك هو الحب الوفي الذي يريد أن يعلمنا إياه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنه يعلمنا أنه يحب عائشة، ولكن يحب أيضاً خديجة -رضي الله عنها- كما يحب زوجاته الأخريات رضي الله عنهن.
ومما تذكره كتب السيرة أنه صلى الله عليه وسلم حج بنسائه، فلما كان في بعض الطريق نزل رجل فساق بهن فأسرع، فقال النبي كذلك، سوقك بالقوارير –يعني النساء– فبينما هم يسيرون برك لصفية بنت حيي جملها، وكانت من أحسنهن ظهراً، فبكت وجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أخبر بذلك، فجعل يمسح دموعها بيده، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها.
إنه لموقف جميل من الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- مع زوجته حين مسح دمعتها بيده، ثم أمر الناس بالوقوف والنزول، علماً بأنه لم يكن يريد أن ينزل. لم يحقر النبي -صلى الله عليه وسلم- مشاعر صفية وعواطفها، بل احترمها وأنزل القافلة كلها من أجلها. فكم منا من رجل مسح دموع زوجته وطيب خاطرها!
إنه محمد النبي الحبيب -صلى الله عليه وسلم- مسح الدمعة بيده، ومرّر يده الكريمة على خد زوجته في قمة من مشاعر الحب والاحترام والعناية والتقدير لعواطف المرأة ومشاعرها. والذين يتفاخرون اليوم من الغربيين ومن العلمانيين باحترام المرأة لم يبلغوا ولن يبلغوا ما قام به محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم بن محمد:
لقد ابتلي النبي -صلى الله عليه وسلم- بما لم يبتل به أحد، ولكنه كان المثل الأعلى في الاحتساب والصبر، وحين مات ابنه إبراهيم عليه السلام، اهتزت مشاعر الأبوة والحب، فيبكي ويحزن "إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، وإنا يا إبراهيم على فراقك لمحزنون". يعلمنا عليه الصلاة والسلام كيف يكون الحب، وكيف يكون الحزن على فراق الحبيب، ولكن كل ذلك في حدود ما يرضي الله تعالى. إنهما حب وحزن نابعان من أب نبي بشر تتجلى فيه أعلى معاني الحب والرحمة والشفقة على فراق الأحبة، ولكنه حب لا ينسيه أنه مبلّغ عن الله، وأنّ أمانة الرسالة أعظم الأمانات. ولذلك حينما كسفت الشمس وظن بعض الناس أنها لموت إبراهيم، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تنكسفان لموت أحد أو حياته".
ويمتد حبه لأمته صلى الله عليه وسلم التي كان يبكي من أجلها في هدأة الليل، فقد كان يقف في سكون الليل وظلمته الحالكة ليصلي صلاة التائب على الرغم من أنه غُفر له ما تقدم وما تأخر من ذنبه، وكان في ذلك الليل يتذكر أمته ويسكب عليها الدموع، ويسأل الله: "أمتي، أمتي".
حاجة البشرية والحضارة للحبّ:
فقد تفقد الحياة كرامتها وقداستها حينما تتحول كل المعاني والقيم والعلاقات إلى أشكال وماديات ومظاهر.
ولفقدان الحب صار يُحتفل به مثل ما يُحتفل بأي شيء آخر، ويخصص له يوماً، وكأن بقية الأيام ليست للحب، وفيه يتذكر العشاق بعضهم بعضاً من خلال تبادل الهدايا والبطاقات، أو أي شيء مادي، وصارت تنفق أموال طائلة في مناسبة عيد الحب، بل إن من الناس من يفلس بهذه المناسبة.
وارتبط الحب في بعض المفاهيم بالجنس والعري وتبادل الغراميات المحرمة، أو تلك التعبيرات المزيفة الجافة الفارغة من أي معنى.
ولكن الحب الحقيقي الذي جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- لتعليمنا إياه هو ذلك الحب المرتبط بالله تعالى وبنهجه في الحياة، وبما ارتضاه من علاقات ومعانٍ وقيم وتعبيرات عن المشاعر.
ونختم بهاتين الآيتين المعبرتين عن عمق الحب وأهمية ارتباطه بالله تعالى. يقول الله تعالى:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة...)[الروم:21] ويقول عز وجل: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) [آل عمران: 31].
السلم والسلام في شخصه صلى الله عليه وسلم:
وفي هذه الفقرة من المقال نتناول السلم والسلام في شخصه -صلى الله عليه وسلم- وفي سيرته ودعوته والدين الذي جاء به، ليدرك القارئ الكريم أن السلم والسلام – بلغة العصر- كان مشروعاً إستراتيجياً للنبي -صلى الله عليه وسلم- شاملاً للأشخاص والأزمان والأمكنة، ولم يكن إجراءات مرحلية، او تخطيطاً وقتياً لتفادي مشكلات معينة، بل لكي يدخل الناس (في السلم كافة) [البقرة: 208] ويعمّ السلام بأن (يكون الدين لله) الذي هو دين الإسلام والسلم، ذلك أن (الدين عند الله الإسلام)، ورب العباد يدعو إلى السلام، قال تعالى: (والله يدعو إلى دار السلام) [يونس: 25].

السلم مبدأ ومسلك وغاية:

إنّ الإسلام دين السلم وشعاره السلام، فبعد أن كان عرب الجاهلية يشعلون الحروب لعقود من الزمن من أجل ناقة أو نيل ثأر ويهدرون في ذلك الدماء، جاء الإسلام وأخذ يدعوهم إلى السلم والوئام، ونبذ الحروب والشحناء التي لا تولّد سوى الدمار والفساد.
ولذلك فإن القرآن جعل غايته أن يدخل الناس في السلم جميعاً، فنادى المؤمنين بأن يتخذوه غاية عامة، قال الله -عز وجل- مخاطباً أهل الإيمان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة: 208]، بل إن من صفات المؤمنين أنهم يردون على جهالات الآخرين بالسلم، فيكون السلم هنا مسلكاً لردّ عدوان الجاهلين، قال تعالى: (...وإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَما). ذلك أن مسلك السلم لا يستوي ومسلك العنف، ومسلك العفو لا يستوي ومسلك الانتقام، ومسلك اللين لا يستوي ومسلك الشدة والغلظة، ولذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو ويوصي دائماً أصحابه بالدفع بالتي هي أحسن، والإحسان إلى المسيئين، مصداقاً لما قال تعالى موصياً سيد الخلق أجمعين -صلى الله عليه وسلم-: (...وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) كما أنهم دعوا إلى الجنوح للسلم فقال تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) وشجع القرآن المسلمين على التزام السلم – وهذا وقت الحرب- وطالبهم بتلمّس السلم إن وجدوا رداً إيجابياً من الطرف الآخر، فقال تعالى: (فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا).

لا إكراه في الدين: سلم دون تلفيق:

الإسلام رسالته واضحة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان واضحاً وسيبقى دينه واضحاً للعالمين، بأن هناك فرقاً بين احترام حرية الآخرين في اختيار ما يعتقدون، وبين التلفيق بين الأديان، أو قبول أديان الضلالة.
فالإسلام متناسق وواضح ومنسجم مع منطقه الداخلي ومع الحقيقة الموضوعية، ولذلك فإنه لا يقبل التلفيق بين الأديان، فالإسلام هو الحقيقة المطلقة، ولا يقبل بحال من الأحوال قبول العقائد الأخرى في منطق الإسلام، كما أن التأكيد على التمايز بين الحق والضلال واضح في منهجه -صلى الله عليه وسلم- وذلك في سورة الكافرون حيث يقول تعالى:(قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عباد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين)، ولكن في الوقت نفسه لا يصح بحال من الأحوال إجبار وإكراه الآخرين على قبوله، ولذلك بيّن القرآن الكريم أن (لا إكراه في الدين) لأنه (تبين الرشد من الغي).
بل إن القرآن نفسه به آيات كثيرة تدعو إلى احترام عقائد الآخرين حتّى ولو كانت فاسدة وغير صحيحة، وذلك لسماحة الإسلام حتى في مقابل أصحاب العقائد الضالّة التي لا قداسة لها في نظر الإسلام. فأمرنا الله تعالى بعدم إيذاء غير المسلمين وإثارتهم وإهانة دينهم أو أديانهم عبر سبّ آلهتهم فقال سبحانه: (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم)، بل دعانا إلى اتخاذ مسلك آخر أكثر إيجابية ومبدئية، وهو منهج الإحسان والدعوة بالحسنى بدل السبّ والشتم والشحناء؛ لأنه مناقض لمنهج الاسلام وغايته في تحقيق السلم، فقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُو أعلم بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُو أعلم بِالْمُهْتَدِين).

صفح من أجل السلم:

من أجل تحقيق رسالته في السلم فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا مسلكاً مهماً آخر لتحقيق السلم، وذلك من خلال حثّنا على الصّفح وغضّ النظر عن إساءة الآخرين. ووضع القرآن الكريم لذلك آيات بينات تُعدّ دستورا يقول تعالى: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). [التغابن: 14]، وقال سبحانه: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ). [النور: 22]، وقال تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ) [المائدة: 13]، وقال عزوجل: (وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتية فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [الحجر: 85]، وقال سبحانه: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الزخرف:89] ، وقال تعالى: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِه) [البقرة: 109]. هذا بالإضافة إلى الآيات التي تدل على الغفران والغضّ عن السيئة والمحبة والإحسان وما أشبه.
ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- نموذجاً وقدوة في الصفح والعفو من أجل السلم مبدأ وغاية، لقد كانت المرحلة المكية من الدعوة النبوية فترة عصيبة أُوذي فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- في شخصه الكريم، وفي أهل بيته وفي صحابته، ولكنه لم يكن يرد الإيذاء، بل كان يردّ رداً جميلاً، فحين كان أبو لهب يرميه بالحجارة، وأم جميل تلقي في طريقه الأشواك، وبعض الكفار يلقي سَلَى الشاة على رأسه وهو قائم يصلي عند الكعبة، وبعضهم يبصق في وجهه الطاهر الشريف، وأبو جهل يشج رأسه وغيرها، كان صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون"، ثم إنه لما انتصر على قوى الكفر والطاغوت ورجع إلى مكة فاتحاً كان أرحم بأهلها من الأم بولدها، وحقق السلم المطلق فلم تُرق قطرة دم في فتح مكة، ولما قال بعض أصحابه: "اليوم يوم الملحمة" قال: "بل اليوم يوم المرحمة"، وخاطب أهل مكة قائلاً: "ما تظنون أني فاعل بكم"، وقد أقدره الله عليهم، قالوا: "أخ كريم وابن أخ كريم"، فقال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، وكان يوماً سجله التاريخ في تحقيق الفتح بالسلم، فهل هناك سلم مثل سلم محمد صلى الله عليه وسلم.

الحج دورة مكثفة لتعلم السلم:

هناك صلة رائعة بين خليل الله إبراهيم عليه السلام أبي الأنبياء، وبين الحج وبين الإسلام وبين السلام. فالإسلام دين الحنيفية السمحة، وهو ملة أبينا إبراهيم، وهو الذي سمّانا المسلمين من قبل، وهو الذي أذن في الناس بالحج، فكان محمد -صلى الله عليه وسلم- النبي الخاتم الذي اكتملت على يديه الرسالة واختتمت النبوة وتمت به النعمة.
والعجيب في الأمر أن شعيرة الحج مرتبطة أيضا بتقديم الأضحية التي هي حيوان يقدم قربانا لله تعالى، وهي سنة سنها أبونا إبراهيم الخليل فدية عن ابنه إسماعيل الذبيح عليهما السلام.
وكأن الله تعالى يعلمنا أن الحنيفية السمحة جاءت لتحقيق السلم من خلال تخليص بني البشر من سفك الدماء وقتل النفس وافتدائها بالذبح العظيم الذي أمر الله تعالى به.
ول قد رسّخ الإسلام شعائر الحج ورتبها بطريقة تجعل الحاج في سلم شامل، ليس مع الناس فقط، بل مع كل شيء؛ الشجر والحجر والحيوان ومع الكون كله، تسليماً لرب العالمين.
إن الحج تجربة تمثّل ورشة مكثفة للتدريب على الشحن الروحي والتعبئة على السلم والتدريب على محاربة نوازع النفس السيئة. وإن الأضحية التي يقدمها الحاج والطواف بالبيت العتيق تمثل شعيرة خالدة تعبر عن ذلك الإعلان العالمي الإبراهيمي بالتوقف عن تقديم القرابين البشرية، وتوديع عقلية العالم القديم، في حل المشاكل بالعنف، لذا كان الحج في ترميزه المكثف، تدريباً سنوياً لشحن الانسان بالروح السلامية، فالمظهر متشح بالبياض، والكعبة أصبحت بيت الله الحرام، فيحرم ممارسة العنف بكل أشكاله وامتداداته، فلا جدال في الحج، الجدال بمعنى التنازع والتوتر، وينعم الجميع ببحيرة للسلام في أرض غير ذي زرع، ويأمن الطير والدواب والإنسان على أنفسهم من العدوان، بعد أن كان الناس يُتخطّفون من حولهم، ويمتد السلام من النفس إلى البدن فلا يُنتف الشعر أو تُقص الأظافر، وينتهي بتدشين تجربة على ظهر الأرض، سنوية لا تقبل الإلغاء أو التأجيل، للسلام الزماني المكاني، في البيت الحرام من خلال الأشهر الحرم.
إن الحج يعلمنا أن العالم كله ينبغي أن يتحول إلى حرم آمن في كل وقت، ولذلك يأتي هذا التدريب السنوي لملايين من البشر على تحقيق مطلق السلم مع كل المخلوقات في البلد الأمين في الأشهر الحرم.
كما أنه يعلمنا السعي لتحقيق السلام العالمي من خلال هذه التجربة الإنسانية الفريدة، التي يتم فيها التدريب سنوياً على السلام والسلام المطلق مع المكان والزمان والكائنات، وهو بذلك يذكرنا أننا يبنبغي أن نوسع من هذه الورشة والدورة المكثفة وننقلها إلى المستوى الإنساني الأوسع، بتبني الأسلوب السلمي في بقية الأماكن وبقية الأوقات ومع مختلف القضايا.
الجهاد مسلك لتحقيق السلم:

معنى الجهاد:
الجهاد كلمة شاملة تعني لغوياً الجد والمبالغة وبذل الوسع والمجهود والطاقة كما في قوله تعالى: (والذين لا يجدون إلاّ جهدهم). وتعني دينياً تحقيق الإيمان الحقيقي وما يتمخّض عنه، ومقارعة كل ما يبغضه الله من كفر وانحلال وفسوق، ومن ثم قال ابن تيمية: "الجهاد حقيقة الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان" (كتاب العبودية، ص104). وقد وردت كلمة الجهاد في القرآن الكريم في مواضع كثيرة،، ومما ورد في القرآن الكريم من استخدام لكلمة (جهاد) قوله تعال: (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات، وأولئك هم المفلحون) [التوبة: 88]، وقوله: (يا أيها النبي جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنّمُ وبئس المصير) (التوبة، 72)، وقوله: (فلا تطع الكافرين وجاهدهم جهاداً كبيراً) [الفرقان: 52].

أهميّة الجهاد في منهج نبي الرحمة والمحبة والسلام:
إن الجهاد في معنى القتال هو أحد المسالك التي سنها النبي -صلى الله عليه وسلم- بوحي من الله تعالى من أجل أن يعم السلام وينتشر الخير ويدفع تسلط الطواغيت والظلمة والكافرين، إنقاذاً للمظلومين، وتحقيق لحرية الناس وحقهم في العيش في امن وسلام، وقد أمر الله تعالى نبيه الكريم بجهاد الكفار والمنافقين بوقله: (يا أيّها النبي جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنهم وبئس المصير)، وقوله تعالى: (فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهُم لعلهم ينتهون)(التوبة: 12)، كما أمرنا أن نعد العدة من أجل ردع الظالمين وإرهابهم حتى لا يروّعوا الآمنين، فقال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوّ الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم).[ الأنفال: 60].

كما ربط الله تعالى بين القتال وبين ذكر الله تعالى، فقال عز وجل: (يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) [الأنفال: 45]، وحرّم الله استدبار العدو الكافر بقوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولُّوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلاّ متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواهُ جهنم وبئس المصير). [الأنفال: 15-16]، داعياً إلى بذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق السلم الذي يأتي من خلال انتشار معاني حب الله والجهاد في سبيله، وإلى تفضيل ذلك على الآباء والأبناء والأموال والعشيرة على الدنيا الفانية والشهوات والهوى، فقال عز من قائل: (قُل إن كان آباؤكُم وأبناؤُكُم وإخوانُكُم وأزواجُكم وعشيرتُكُم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي الله بأمره واللهُ لا يهدي القوم الفاسقين)[ التوبة: 24].

وقد وهب الله سبحانه المجاهدين درجات عليا وجزى المستشهدين في سبيله جزاءً أوفى قائلاً بمنح الجنة للمجاهدين في سبيله بأموالهم وأنفسهم: (إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة) [التوبة: 111]، ومبشراً الشهداء بأنهم أحياءٌ عند ربهم يرزقون: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون) [آل عمران: 169]، (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون) [البقرة:154] كل هذا ليس رغبة في القتال من أجل القتال، وليس رغبة في سفك الدماء، ولكنه دفع للعدوان حينما تنتفي الدوافع والمسالك السلمية لتحقيق السلم، وأن يكون الدين لله. ولذلك فإن الله تعالى يشدد على المؤمنين بأن يكون جهادهم على وعي تام بمبادئه وغاياته، فلا قتال لمن أراد السلم، قال تعالى: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا) [النساء: 94]، وقال تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) [الأنفال: 61]، كما أن المنهج النبوي يؤكد عدم العدوان بقوله تعالى: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) [النساء: 90] لأن القتال يكون لمن بدأ بالعدوان ومن أجل إنهاء العدوان فقط، قال تعالى: (فقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) وقال سبحانه: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) [الممتحنة: 8].

لماذا جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

كما سبق القول فإن الإسلام دين محمد -صلى الله عليه وسلم- ومنهجه لم يفرض الجهاد رغبة في السيطرة والتوسع، أو كسباً للمنافع الدنيوية، أو إرغاماً للناس على تركهم عقائدهم السابقة والدخول في الدين الجديد، أو حبّاً في إظهار القوة والتفوق الحربي، وإنما شُرع دفعاً للظلم، ومقاومة للباطل ومقارعة للكفر، ونشراً للعدل والحرية والسلام عن طريق كسر الأطواق المضروبة حولها، وتحقيقاً لأهداف الدعوة إلى الله، ودفاعاً عن الأعراض والأوطان والأموال.
والمتتبع لسيرته صلى الله عليه وسلم يجد أنه ما قاتل إلا لتحقيق السلم ونشر العدل وبناء الأخوة بين الناس من خلال رد العدوان وكسر طوق الظالمين. فالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أُخرجوا من ديارهم بغير حق، فأمرهم الله تعالى بقتال من يعتدي عليهم، وبإخراج من يحاول إخراجهم من ديارهم وأراضيهم، (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) [البقرة:191]، ولكن في إطار العدل والسلم كمسلك وغاية، فقال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين] [البقرة: 190].
كما أن الجهاد شُرع لفتح الطريق أمام الفضيلة والخير والعدل والسلم إذا وقف أهل الباطل في طريق السلام العالمي، ومن أجل أن تتحقق الحرية والأمن والسلام للمستضعفين في الأرض، قال تعالى: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرّجال والنساء والولدان، الذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلُها وأجعلْ لنا من لدنك وليّاً واجعل لنا من لدنك نصيرا) [النساء: 75].
وبما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء رحمة للناس كافة، كما قال تعالى: (وما أرسلناك إلاّ كافةً للنّاس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون). [سبأ: 28]، وأرسل دينه رحمةً لجميع مخلوقاته، وهذه هي بعض دوافع شرع الجهاد، وهي واضحة في أنها مسلك لتحقيق السلم وفتح الآفاق أمام الناس حتى لا تكون هناك فتنة أو سفك للدماء بغير وجه حق. فني الله محمد صلى الله عليه وسلم بحق رجل المحبة والرحمة والسلام.

المراجع:

1- خاتم النبيين لمحمد أبي زهرة.
2- السيرة النبوية الصحيحة للدكتور أكرم ضياء العمري.
3- صفحة (مع الحبيب من موقع إسلام أونلاين.نت.4- موقع الإسلام اليوم .

abdooelsokary

الدعوة مقام عظيم، قد يشعر الإنسان بمنزلتها وقد لا يشعر، أما من لم يشعر فليس له حظ من هذه التوجيهات التي سنوردها، إنما هي حظ من اهتم لأمته وأحس بعظمة الدعوة وجلالتها، هذا هو العظيم حقا..العظيم هو الذي يهتم للأمور العظام، وهو الذي يتعب نفسه في تحصيل المراتب الكبيرة، كما قال الشاعر:

وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام

وإذا كان الإنسان يعلو عند الناس لكفاحه وجده في أسباب الحياة، فإن الذي يعلو عند الله - تعالى -هو الذي يكافح من أجل أن يقيم صرح الدين في الأرض، ويعلم الناس الخير، ويحذرهم من سبل الشر، قال - تعالى -: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}...

قال الحسن: " هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين، هذا خليفة الله". (تفسير ابن كثير7/169) .

الله ما خلق الخلق إلا لعبادته، وأرسل الرسل لأجل ذلك، والداعي إلى الله - تعالى -يحقق مراد الله من الخلق، ويتبع الأنبياء ويقتدي بهم، ومن هنا شرف وكان أحب الخلق إلى الله - تعالى -..

لكن الدعاة هم أكثر الخلق عناء وتعبا، وأكثرهم ألما وحزنا، لا نقول هذا تنفيرا من طريقهم، فإن كل إنسان يناله في الدنيا من التعب والحزن القدر المكتوب، لكن الذي يتميز به الدعاة بالرغم من كونهم أكثر الناس تعبا وحزنا، أنهم كذلك أكثر الناس تلذذا بالذكر والطاعة، تمر بهم لحظات من حلاوة الإيمان تنسيهم كل تلك الآلام، وهذا ما لا يجده غيرهم إلا في النادر.

إن مصدر آلام الدعاة أنهم يرون انتفاش الباطل وكثرة المعرضين، وهم يعلمون علم اليقين حقيقة الدنيا والآخرة، وهم في محاولة جادة لاستنقاذ الغارقين من غرقهم، لكن محاولاتهم تبوء بالفشل في بعض المرات أمام إصرار الغارقين على الغرق، وأمام ترصد الظلمة وقعودهم بكل صراط يوعدون ويصدون عن سبيل الله من آمن يبغونها عوجا..

وأمام هذه المعوقات يجد الدعاة أنفسهم في عائق آخر لا يقل خطرا من المعوقات السابقة، وهو عائق نفسي، وعلمي، وعملي:

- فأما عائق النفس فمللها ويأسها..

- وأما العائق العلمي والعملي فهو الحيرة التي ترد عليهم إزاء أزمات دعوية تمر بهم فلا يهتدون إلى حلها، فتضيق بهم السبل، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية..

لأجل كل هذه الأمور كتبت هذه التوجيهات الدعوية، لعلي أساهم في حل شيء من تلك المعوقات، فأقول:

هذه توجيهات وزاد يتزود بها الدعاة:

أولا: (الإخلاص في طلب العلم وتعليمه).

ـ لابد للداعية من أن يتعلم العلم الشرعي، ولابد له من الإخلاص في طلبه وتعليمه:

ـ فالإخلاص هو سبب القبول عند الله - تعالى -، وهو كذلك سبب الإتقان، فما أخلص إنسان في شيء إلا وأتقنه.

ـ والإخلاص يتطلب اتهام النفس بالتقصير دائما، والخشية من عدم الإحسان، وذلك يدفع إلى التطور الدائم إلى الأحسن، فإن الذي يتهم نفسه بالتقصير يعمل على الدوام على الارتقاء إلى الأفضل كي يسلم من ذلك.

ـ الإخلاص يكون قبل العمل وأثناءه وبعده، قبله باستحضار النية لله - تعالى -، وأثناءه باستصحابها، وبعده بسؤال الله القبول، وتذكر سلبيات وإيجابيات العمل، لإصلاح ما يكون من خلل.

ـ الإخلاص يبعث على الصبر والأمل الدائم، لأن المخلص عمله لله فهو يرجو ثوابه، وثوابه مكتوب سواء قبل الناس دعوته أم ردوها، لذا فإنه إذا جعل الإخلاص نصب عينيه لم يبال بقبولهم أو إعراضهم، لعلمه أن الله يكتب ثوابه في كلا الحالتين، بخلاف الذي لا يخلص فإنه يجعل همه الأول قبول الناس، فإذا لم يقبلوا مل وترك دعوتهم.

ـ وينصح في هذا المقام النظر في منـزلة الإخلاص في مدارج السالكين لابن القيم.

ثانيا: (كثرة التضرع إلى المولى - جل وعلا - أن يلهم بالحق ويوفق للعمل به).

ـ كثرة الدعاء والإلحاح في السؤال سمة راسخة من سمات الدعاة لا ينفكون عنها لحظة، وهذا سر نجاحهم، ومن لم يلح في دعائه فليس على السبيل والسنة.

ـ كثرة الدعاء في كل وقت وآن، يرزق النفس الثبات وحسن التصرف والتدبير، لأن المتضرع إلى ربه متبرء من حوله وقوته، متوكل على الله مفوض أمره إليه، وإذا تولاه الله رزقه حسن التصرف، وفي ذلك نجاح دعوته.

ـ كثرة الدعاء يفتح على الداعي لذيذ مناجاة الله - تعالى -وحلاوة الإيمان، ويسليه في المحن، ويخفف عنه المشاق.

ـ للوقوف على الأدعية النبوية ينظر في كتب الدعوات من الصحاح والسنن، كالبخاري ومسلم.

ثالثا: (ملازمة قراءة القرآن الكريم الذي هو زاد الدعاة الأول).

ـ القرآن يشرح الصدور، ويبدد الغموم، ويزيد في الإيمان: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}.

ـ الدعاة من أخشع الناس في قراءة القرآن، لأنه يقص عليهم حقيقة الصراع الذي هم فيه، بين الحق والباطل، فهو يبشرهم بالنصر القريب على أعدائهم، ويثبتهم في المحن، ويعدهم الخير والمثوبة:

{حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}..

فإذا قرءوه تمثلوه في أنفسهم وعاشوا آياته لحظة بلحظة، يجدون أنفسهم فيه، ويستشعرون معانيه، ويوجهون خطابه إلى أنفسهم.

ـ ينظر في كتاب الفوائد لابن القيم في الفصول المتعلقة بالقرآن.

رابعا: (الحرص على تدارس شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلف).

ـ يجب الرجوع في تعلم أسلوب الدعوة إلى سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن الخطأ الاعتماد على كتب المحدَثين فحسب، فسيرته مكتوبة صحيحة بين أيدينا، فيها الهدى والنور، وأي دعوة لا تكون من خلالها فهي فاشلة.

ـ من المهم تدارس سير الصحابة والسلف والأئمة الأعلام كذلك، فذلك يوقف الدعاة على الطرق الصحيحة للدعوة الناجحة، فمن كان مقتديا فليقتد بمن مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.

ـ من المراجع المهمة في هذا الباب: شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - للترمذي وابن كثير، والسيرة النبوية الصحيحة لأكرم ضياء العمري، وفقه السيرة لمحمد الغزالي، وصفة الصفوة لابن الجوزي، وسير أعلام النبلاء للذهبي.

خامسا: (لابد من زاد إيماني).

ـ قال - تعالى -: {واستعينوا بالصبر والصلاة}، فلا بد للداعية من زاد إيماني من الصلاة والذكر.

ـ أعظم أوقات اليوم ثلاثة: بعد الفجر، وقبل الغروب، والثلث الآخر من الليل، فهذه الأوقات زاد الدعاة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رواه البخاري في الإيمان، باب: الدين يسر..

فالغدوة أول النهار، والروحة آخرها.. والدلجة آخر الليل..

فاغتنام آخر الليل يكون بقيامه وقراءة القرآن فيه، فالليل موطن المناجاة ورفع الحوائج حين ينزل الله - تعالى -ليقول: (من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟) رواه مسلم في الصلاة، باب: الترغيب في الدعاء والذكر آخر الليل..

وقيامه شرف المؤمن، والفجر والعصر وقت الصلاة والذكر، هذه الأوقات هي أحسن أوقات السفر، وهي أحسن السفر إلى الآخرة بالذكر والمناجاة، فمن تعاهدها تزود من الإيمان والصبر.

سادسا: (ذكر الله عند الخروج من البيت، وسؤال الله التوفيق في العمل).

ـ لابد على الداعية أن يكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فإنها تحمل عنه كأمثال الجبال، وليعلم أنه لا يعمل بقوته وحيلته، فلولا إعانة الله له لما حرك حجرا من مكانه، ولا خطا خطوة، ولا دعا إنسانا.

ـ حين الخروج يجب استحضار التوكل على الله وإخلاص النية لله - تعالى -وذكر الدعاء المأثور:

- (بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)..

- (اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي)، هما حديثان عن أم سلمة وعن أنس عند أبي داود في الأدب: باب ما جاء فيمن دخل بيته ما يقول، صحيح أبي داود 3/959

ـ يقول أنس: كنت أسمع رسول الله يكثر أن يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن ضلع الدين وقهر الرجال)، البخاري في الدعوات، باب: التعوذ من غلبة الرجال.

فهو ذكر الدعاة، لأن الداعي يحزنه إعراض الناس، ويهمه مستقبل الدعوة، ويشكو من العجز والكسل، ويخاف أن يجبن في موطن يجب أن يقول فيه، أو أن يبخل بشيء فيه نصرة الحق، ويخاف قهر الرجال، فالدعاء بهذه الكلمات تكفيه كل تلك الهموم.

سابعا: (الأمل وعدم اليأس).

ـ الداعية يدعو الناس إلى أمر قد لا يستجيبون له لأول مرة، لذا يجب عليه أن يوطن نفسه على هذا حتى لا ييأس.

ـ ينبغي على الداعية أن لا يعتقد بمقولة: "الطبع يغلب التطبع"، لأن دعوته قائمة على عكس ذلك تماما، إنها تقوم على الإيمان بالقدرة على قلب الطباع من الشر إلى الخير، كما صنع الأنبياء من قبل، فلم تكن مهمة الدعاة إلا قلب طباع الناس الشريرة، ولو أنهم أخذوا بتلك المقولة لما دعوا أحدا.

ـ كذلك يجب عليه أن لا يعتقد قول الشاعر:

متى يبلغ البنيان يوما تمامه *** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

فمهمة الداعية أن يبني ولو كان غيره يهدم، ومهمته أن يسبح ضد تيار الباطل ولو كان عظيما، وقد كان النبي يبعث وحده في بحر من الباطل، ثم لا يزال يدعو حتى ينشر الله على يديه الخير والنور، فيهدم الباطل ويبني الحق.

ثامنا: (الدعوة في كل وقت بالكلمة، بالإشارة، بالفعل).

ـ رب كلمة اهتدى بها إنسان والداعية لا يدري، فالكلمة كالبذرة، قد لا تنبت اليوم أو الغد، لكنها ستنبت يوما ما، لذا على الداعية أن يدعو إلى الحق بكل وسيلة، ولا يشترط أن يرى ثمرة عمله، فقد لا يراها أبدا، لكن ذلك لا يعني أنها لن تنمو.

ـ من أسس الدعوة البلاغ، فالمطلوب البلاغ، وأما الهداية فمن الله - تعالى -، فإذا استقر هذا في نفس الداعية استراح من الشكوى من إعراض الناس.

تاسعا: (هذه الأجيال أمانة في الأعناق).

ـ فيجب على الداعية أن يكون قدوة لهم في سلوكه وأفعاله، فإن الناس ينظرون إلى سلوك الداعية أكثر من نظرهم إلى كلامه، فمهمته كبيرة، لذا يجب عليه أن يحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة، فما كان مباحا في حق الناس قد يكون مكروها في حقه لمنزلته.

ـ الأعداء يجتهدون في هدم الأجيال، والدعاة على اختلاف مراكزهم لابد وأن يستشعروا هذا الخطر، وأن يفهموا عظم الأمانة التي بين أيديهم، وليعلموا أنهم هم الحصن الحصين لهذه الأجيال من كيد الأعداء، فالله الله فيهم.

ـ ليعلم الداعية أن الحق هو الباقي، وأن ما يقذف به من كلمات تحمل الهدى هي الباقية، أما ما يدعو به أهل الباطل فإنه سيذهب جفاء في يوما ما وإن طال.

عاشرا: (عماد الداعية في دعوته الناس: رفقه وبشاشته، وحسن كلامه، ونجدته لكل ملهوف).

ـ ليس المطلوب أن يلقي الداعية كلماته ثم يمضي لا يشارك الناس أحزانهم وأفراحهم، إنما المطلوب أن يخالطهم وينفذ إلى قلوبهم بحسن الكلام والبشاشة والنجدة لكل ملهوف، فذلك يقبل بقلوبهم إليه، فيمكن تغيير أحوالهم.

ـ الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم..

ـ من خالط الناس ونزل منازلهم ثم ارتقى بهم إلى الإيمان والتقوى والعمل الصالح هو العظيم حقا.

ـ ينظر في أحاديث الخلطة وحسن الخلق في كتاب رياض الصالحين.

الحادي عشر: (التبصير بمكائد الأعداء).

ـ إن أكثر الناس لا يدرون ما يكاد لهم من قبل أعدائهم، ويخلطون بين الصديق والعدو، فلابد من إيقاف الناس على حقيقة الأعداء.

ـ ولابد للداعية أن يكون دائم الاطلاع على ما يدور في العالم من أحداث وما يكون في المجتمع من أخبار، هذا الاطلاع لابد منه لتقويم الأحداث وتحديد المفيد منها والتحذير من الضار.

ـ ينظر في هذا المقام كتاب الغارة على العالم الإسلامي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟، قادة الغرب يقولون، المجلات الإسلامية.

الثاني عشر: (يجب على الداعية تعليق القلوب بالله تعالى).

ـ هذه أهم نقطة على الإطلاق، وهي النقطة التي انطلق منها الأنبياء، فقد كانوا يعلقون القلوب بربها.

ـ هذه أسهل وأنجع وسيلة للإقبال بقلوب الناس إلى طريق الهداية، فإن القلوب إذا أحبت ربها سهل عليها ترك العصيان، ولم يكن شيء أحب إليها من طاعته.

ـ تعليق القلوب يكون بأمرين: بذكر أوصافه وأسمائه، وبذكر آلائه ونعمه، والقرآن يدور حولهما كثيرا.

ـ كل دعوة لا تبدأ من هذه النقطة فهي فاشلة.

ـ ينظر للاستفادة في هذا الباب: الفتاوى لابن تيمية الجزء الأول 1ـ100، مدارج السالكين منزلة الرضا 2/240ـ247، شرح حديث ابن عباس لابن رجب.

الثالث عشر: (من الداعية؟.. )

ـ الداعية هو كل مؤمن وقر في قلبه محبة الله - تعالى -ومحبة دينه ورسوله وعباده المؤمنين وعنده حظ من العلم، بغض النظر عن مركزه، فلا يشترط أن تكون الدعوة وظيفته الرسمية، بل قد يكون عاملا، وقد يكون موظفا أو تاجرا، وقد يكون معلما أو معلمة، وقد يكون أبا أو أخا أو زوجا، وقد تكون أما أو أختا أو زوجا أو بنتا، وكذلك قد يكون مديرا أو رئيسا أو مسؤولا.

abdooelsokary

أولا: مراحل الدعوة الفردية :

1- تكوين العلاقة مع المدعو .
2- زيارته والتحدث معه في أمر معين وتربطه بالدين وتنتهز أي فرصة تقوي إيمانه كعن متوفى فتربط الموضوع بحسن الخاتمه وممكن ترغبه في الإلتزام أو الإلتحاق بالشباب الطيبين وتشعره أنهم كالناس عندهم من المرح والرحلات ولكن في حدود الإنضباط .
3- تحاول أن تقوي إيمانه بطريق مباشر بكتيب أو بشريط فيه قصص أو تذهب به إلى المحاضرات وقد يكون من المناسب ألا تذهب به إلى الدروس الجادة وقد يكون مناسبا .
4- تحاول ربطه بجماعة طيبة وتتابعه بحيث يندمج معهم .
5- تحاول توسيع مفهوم الإسلام عنده مما هو أشمل من أداء الصلاة والصوم وغيرها .
6- تشجعه للقيام للعمل للإسلام والدعوة إليه .

ثانيا: عقبات الدعوة الفردية :

1- الخجل من محاولة عقد الصلة مع من لايعرفهم أويخاف ألا يقابل بشكل جيد .
2- كثرة إنشغال الداعية بأمر دنيوي أو إخروي .
3- عدم الصبر والتحمل من قبل الداعية فقد يتعرض لعدم مبالاة وغيرها من المدعو فقد يواعده فلايجده وقت الموعد .
4- الدعوة الفردية تحتاج إلى نفسية طيبة وتعامل من نوع خاص .
5- تحتاج إلى وقت طويل لكي تبدي ثمارها .

ثالثا: عيوبها :

1- تحتاج إلى وقت طويل .
2- ربما إنتاجها يكون قليلا كأن تعمل سنة مع شخص .
3- تحتاج إلى نوع خاص من المعاملة .

رابعا : صفات الداعية :

1- الإخلاص لله تعالى فيبارك الله في العمل .
2- الصلة بالله بأن يكون الداعية كثير العبادة ويستعين دائما بالله .
3- العلم بأن يتعلمه ويتعلم مايقوم به دينه ولايلزم أن يكون عالما وكذلك العلم بحال المدعو .
4- الصبر بأن يصبر على الأذى والعقبات وكذلك يصبر على ترك جلساته مع الأصدقاء .
5- الحكمة .
6- أن يتخلق بالأخلاق الفاضله .
7- أن يكون قدوة صالحة في كل شئ حتى في الأعمال الدنيوية حتى الإجتهاد في الدراسة .
8- الرفق .

خامسا : أمور مهمة:

1- لاتقتصر على الدعوة الفردية بل إعمل في كل مجالات الدعوة .
2- لاتكن الدعوة الفردية سببا لتركك الإهتمام بنفسك كأن تترك طلب العلم والأعمال الصالحة .
3- لاتكن سببا في ابتعادك عن الرفقة الطيبة وإذا كنت في مجموعة فالأفضل أن تكون تحت متابعة المشرف على المجموعة.
4- لاتحملك على المجاملة على حساب دينك كأن ترى منكرا وتقول ليس الآن كأن يشاهد شيئا محرما وأنت موجود .
5- إذا رأيت أنك ربما تتأثر بالمدعويين فلاتذهب إليهم فربما جعلوك تنتكس بسبب أنك خرجت معهم في رحلة برية مثلا وكنت لوحدك أوكان المدعو ذا تأثير.
6- التنسيق مع الدعاة فلايجتمع داعيتان على شخص واحد .
7- لاتهمل ذوي القربى فهم أولى بالدعوة .
8- النظر إلى ميول المدعو وعمله وظروفه حتى تستطيع أن تمارس الدعوة معه .
9- لاتواجه المدعو بإنتقاده المباشر واجعله مرحلة متأخرة .
10- لاتظهر له أنك أعلم منه أو أتـقى لله منه .
11- لاتتبع عثراته لئلا يكون ذلك مخذلا لك عن العمل كأن تخبر عنه أنه يشاهد التلفاز فتقول سبحان الله كل هذا العمل ذهب علي ولم يستفد ,فلايكون مخذلا لك وضع هذا في ذهنك واطرح هذه المواضيع بطريقة مباشره أوغيرها .
12- التدرج وعدم الإستعجال ,فلاتضع في ذهنك أنه بيوم وليلة سيكون عابدا لله فلابد من التدرج .
13- لاتتركه بلا متابعة , فلاتكن رؤيتك لشيء من الصلاح دافعا لك على تركه وتقول انتهى العمل مع هذا الشخص .
14- لابد من مراعاة الفروق الفردية بين المدعوين لابد أن تعرف أنهم يختلفون في قدراتهم كالحفظ مثلا .
15- التأدب بأدب الزيارة عند زيارتك له كمراعاة الوقت المناسب وعدم الإطالة .
16- اقتصد في الموعظة فلاتمله بكثرة ماتقول إلا إذا رأيت تفاعلا وتجاوبا منه .
17- احتفظ بشخصيتك ولاتشوهها بكثرة المزاح واجعله بالقدر المعقول .
18- قد يكون المدعو ممن يعشق الرياضة فإذا علمت أنه في وقت العصر ينظر للمباراة إذاكنت تريد أن تدعوه فمن الأفضل ألا تذهب إليه في هذا الوقت لأنه ليس عنده من الإيمان مايجعله يترك المباراة ويدخلك المنزل فالمتوقع أن يعتذر لشغله أو يرسل لك أنه غير موجود .
19- مشروع مقترح أن يحاول كل واحد منا أن يبدأ في الدعوة الفردية وأن يحدد شخصا من الآن ويضع له مدة معينه يكون قد استطاع بإذن الله ضم هذا الشاب إلى قافلة الملتزمين ويجعل هذا الأمر بمثابة الإختبار له يحدد فيه مدى نجاحه ونذكر بأن هذا الشخص سوف يكون في ميزان حسناتك يوم القيامة إذا أخلصت العمل لله فربما يصوم وأنت مفطر ويقوم وأنت نائم ويجاهد وأنت قاعد فيكون لك مثل أجره .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد

abdooelsokary

قال الله _تعالى_: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً... وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً" (الفرقان:63-76).
في هذه الآيات الكريمات من خواتيم سورة الفرقان، يصف الله _عز وجل_ أحوال عباده الذين شرفهم بنسبهم إليه.
وقبل أن نتابع أحوالهم عبر بيان كلام العلماء في تفسير الآيات نذكر بأهم الصفات التي ذكرها القرآن لأهل التقى والصلاح الذين هم عباد الرحمن المخلصين:
أهم سمات الصالحين في القرآن..
1ـ إيمانهم بالغيب:
لا شك أن هذه الصفة أخص صفاتهم، فإنها التي تدعوهم إلى العبادة والانقياد الكامل لأمر الله _عز وجل_ ونهيه، وهذه الصفة هي أول صفة وصفهم الله _عز وجل_ بها في كتابه.
قال الله _تعالى_: "ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ" (البقرة:2-4).

وقال: "إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ" (يّـس: من الآية11)، وقد كان _صلى الله عليه وسلم_ منذراً لكل الناس، فذكر هؤلاء لأجل أنهم هم الذين انتفعوا بإنذاره، وهذه الآية نظير آية "قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ" (فصلت: من الآية44).

والدعاة إلى الله ينطلقون من الإيمان بالغيب نحو تعديل وإصلاح حال الأرض، فهم يرتبطون بذلك الرباط الذي لا ينقطع، حيث أرواحهم رفرافة إلى الجنة وعقيدتهم سائرة على التوحيد يرتجون القلب السليم ليلقوا به ربهم..

2ـ العفو والصفح:
وهو خلق علمه النبي _صلى الله عليه وسلم_، أن يعفوا عمن ظلمه ويعطي من حرمه، وقد أخبر الله _عز وجل_ أن من اتصف بهذه الصفة فأجره على الله _عز وجل_ "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (الشورى:40).
كما رغبهم الله _عز وجل_ في مغفرته إذا فعلوا ذلك فقال _عز وجل_ في سورة النور: "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (النور: من الآية22). وقال _تعالى_: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران: من الآية134). كما قال _تعالى_: "وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (البقرة: من الآية237).

فعلى الداعية إلى الله أن يعفوا وأن يصفح وأن يكون خير الناس صفحاً وأن يمثل القدوة والمثال في ذلك قولاً وعملاً وتطبيقاً، فكم أوذي الصالحون وغفروا، فهل تنتقم لنفسك أيها الداعية لقول سوء قيل فيك؟ أفأنت خير من هؤلاء الأخيار؟!

3- الصدق:
فهم يتحرون الصدق في كل شؤون حياتهم..قال _تعالى_: "وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (الزمر:33), وقال _تعالى_: "أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة: من الآية177), قال القاسمي: "أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا" في إيمانهم؛ لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، فلم تغيرهم الأحوال ولم تزلزلهم الأهوال، وفيه إشعار بأن من لم يفعل أفعالهم لم يصدق في دعواه الإيمان، وقد رغب النبي _صلى الله عليه وسلم_ في الصدق، فقال: "وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً" متفق عليه.
وصدق الداعية إلى الله لا يقتصر على قوله وبعض فعله، بل يعم حياته كلها، فيصدق مع نفسه ويسأل نفسه: لمن أقوم بالدعوة إلى الله؟ وهل أرجو الشرف لنفسي؟ وهل أرجو الفخر لنفسي؟ وماذا لو لم أذكر بشيء هل أظل حريصا عليها؟!

4ـ تعظيم شعائر الله:
قال _تعالى_: "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج:32).
قال القرطبي _رحمه الله_: شعائر الإسلام أعلام دينه...وأضاف التقوى إلى القلوب؛ لأن حقيقة التقوى في القلب، ولهذا قال _صلى الله عليه وسلم_ في الحديث الصحيح: "التقوى ههنا وأشار إلى صدره", فالمتقون يعظمون طاعة الله وأمره فيدفعهم ذلك إلى طاعته، ويعظمون كذلك ما نهى الله عنه فيدفعهم ذلك عن معصيته، وعكس ذلك الاستهانة بالأوامر فلا يؤديها، وبالنواهي فيقع فيها _نسأل الله السلامة_, قال أنس _رضي الله عنه_: "إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، لنعدها على عهد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من الموبقات" البخاري.
وعن ابن مسعود _رضي الله عنه_ قال: "إن المؤمــن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقـال به هكذا" البخاري.
قال العيني: السبب فيه أن قلب المؤمن منور فإذا رأى من نفسه ما يخالف ذلك عظم الأمر عليه، والحكمة في التمثيل بالجبل أن غيره من المهلكات قد يحصل منه النجاة بخلاف الجبل إذا سقط عليه فإنه لا ينجو عادة " جامع الأصول.

والدعاة إلى الله يعلمون الناس تعظيم شعائر الله قولا وفعلا، فواجب عليهم أن إذا ذكروا تذكروا، وإذا نهو انتهوا، وإذا وعظهم واعظ استمعوا، وإذا ردهم للحق راد عادوا إلى الصواب، وهم يعظمون شعائر الله حتى لو فقدوا كل ما يملكون...

أوصاف عباد الرحمن كما في الآيات...
1- أول هذه الأوصاف أنهم يمشون على الأرض هونا "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً" أي: بسكينه ووقار وتواضع وبغير تجبر ولا استكبار، وليس المقصود أنهم يمشون كالمرضى تضعفا ورياء، فقد كان _صلى الله عليه وسلم_ إذا مشى فكأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له، وقد كره السلف المشي بتضعف وتصنع، وقال الحسن البصري _رحمه الله_: إن المؤمنين قوم ذلت منهم والله الأسماع والأبصار والجوارح، و دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة.
والداعية إلى الله إنما هو نموذج للتواضع وخفض الجناح، فلا يغتر بعلم، ولا يظنن أنه قد اكتسب مكانته بين الناس بجهده، بل هو محض فضل من الله، وكرم لما يحمل من خير، وليبن ذلك في حديثه وسلوكه وفي غضبه ورضاه.

2- وثاني صفاتهم: أنهم "وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً" أي: إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ لم يردوا عليهم بمثله، بل يصفحون ولا يقولون إلا خيراً كما كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لا تزيده شدة الجاهل إلا حلما.

وللنبي _صلى الله عليه وسلم_ مشاهد كثيرة في حلمه على الناس وفي دفع السيئة منهم بالحلم منه _صلى الله عليه وسلم_ فيقابل السيئة بالحسنة، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن رجلا أتى النبي _صلى الله عليه وسلم_ يتقاضاه فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً".

كذلك في الحديث المتفق عليه عن أنس _رضي الله عنه_ قال: كنت أمشي مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقد أثرت به حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء.
فهل يمتثل الدعاة إلى الله ذلك الوصف؟ فكم رأينا من داعية غضوب، وكم رأينا من ينتقم لنفسه، وينتصر لها، بل وقد يقع بعضهم في عرض آخر، وقد يغتابه، محتجاً بأنه ينتقده علميا أو فقهيا، وقد يستبيح بعضهم سباب آخرين لمجرد مخالفته في أسلوب عمل..فتأمل!

3- وصفتهم الثالثة: أنهم "وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً" فأخبر الله _سبحانه وتعالى_ عن عبادة أن ليلهم خير ليل، فقال _سبحانه وتعالى_: "وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً" وكما قال _تعالى_: "كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" (الذاريات:17، 18)، وقال _تعالى_: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً" (السجدة: من الآية16)، وأشار _سبحانه وتعالى_ في قوله: "لِرَبِّهِمْ" إلى إخلاصهم فيه ابتغاء وجهه الكريم.

وعن عائشة _رضي الله عنها_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ "كان ينام أول الليل، ويقوم آخره فيصلي" متفق عليه.
وعن ابن مسعود _رضي الله عنه_ قال: صليت مع النبي _صلى الله عليه وسلم_ فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء، قالوا: ما هممت؟ قال هممت أن أجلس وأدعه. متفق عليه.

وروى مسلم عن حذيفة _رضي الله عنه_ قال: صليت مع النبي _صلى الله عليه وسلم_ ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلى بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، (يعني على آل عمران) ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترتلاً، وإذا مر يتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد ثم قام طويلاً قريباً مما ركع ثم سجد، فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه.
وروى مسلم عن جابر _رضي الله عنه_ قال: سئل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أي الصلاة أفضل؟ فقال: "طول القنوت".

والدعاة إلى الله أحوج ما يكون إلى وقوف في جوف الليل وسجود طويل بين يدي الله لتصفو منهم النفوس وتطهر منهم القلوب فيصيرون أهلا لتلقى الأمانة وأداء التبعة.

4- وصفتهم الرابعة: "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً" فهم وجلون مشفقون من عذاب الله _عز وجل_، خائفون من عقابه، "إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً" أي: ملازما دائما. ولهذا قال الحسن البصري: كل شيء يصيب ابن آدم ويزول عنه فليس بغرام، وإنما الغرام اللازم ما دامت الأرض والسماوات.
فخوف الدعاة إلى الله غير نظرتهم للأهداف، وغير طموحهم ورجائهم، فلا رجاء لهم في الدنيا غير رجاء الخائفين، ولا استقرار لهم في المتاع، ولا هم يتلذذون بلذات الدنيا..

5- وصفتهم الخامسة: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً" أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم، فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم وقال الحسن البصري: ليس في النفقة في سبيل الله سرف، وروى مسلم عن أبي عبد الرحمن ثوبان بن بجدد مولى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ " أفضل دينار ينفقه الرجل دينا ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله.

6- وصفتهم السادسة: "وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً" (الفرقان:68).
روى البخاري في الجامع الصحيح عن عبد الله بن مسعود _رضي الله عنه_ قال: سئل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أي الذنب أكبر؟ قال: "أن تجعل لله أنداداً وهو خلقك" قال: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك" قال: ثم أي؟ "أن تزاني حليلة جارك" قال عبد الله وأنزل الله تصديق ذلك "وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ" الآية.

7- وصفتهم السابعة التوبة: "إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً" (الفرقان: من الآية70).
روى أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلى ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ثم قرأ _صلى الله عليه وسلم_ هذه الآية "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ" (آل عمران: من الآية135).." أخرجه أحمد في المسند وصححه أحمد شاكر.
وفي الصحيحين عن عثمان أنه توضأ ثم قال: رأيت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه".

وفي الصحيحين عن أنس قال: "كنت عند النبي _صلى الله عليه وسلم_، فجاء رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه عليّ قال: ولم يسأله عنه، فحضرت الصلاة فصلى مع النبي _صلى الله عليه وسلم_، لما قضى النبي _صلى الله عليه وسلم_ الصلاة قام إليه الرجل، فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم فيَ كتاب الله، قال: أليس قد صليت معنا؟ قال نعم قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك أو قال حدك".
قال ابن عباس _رضي الله عنهما_ في قوله _تعالى_: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج: من الآية78) قال: "هو سعة الإسلام وما جعل لأمة محمد من التوبة والكفارة".

والدعاة إلى الله لاشك يذنبون، ولكنهم فوراً يسارعون إلى التوبة والاستغفار واتباع السيئة الحسنة، فالصف المؤمن إذا دخله الفساق واستقروا وانتشروا فيه فَقَدَ اتزانه وتخلخل ثباته فلم يعد يصلح لتحمل الأمانة..

8- وصفتهم الثامنة: "وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً" فهم لا يشهدون الزور، وهو: الكذب والفسق والكفر واللغو والباطل، كما في الصحيحين عن أبي بكرة قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الشرك بالله وعقوق الوالدين" وكان متكئا فجلس، فقال: "ألا وقول الزور ألا وقول الزور" فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت، يقول ابن كثير _رحمه الله_ والأظهر من السياق أن المراد لا يشهدون الزور أي: لا يحضرونه، ولهذا قال _تعالى_: "وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً" أي: لا يحضرون الزور وإذا اتفق مرورهم به مروا به ولم يندسوا منه شيء، ولذلك قال: "مَرُّوا كِرَاماً".

9- وصفتهم التاسعة: "وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً" أي: هؤلاء المؤمنون وهم عباد الرحمن حالهم بخلاف من إذا سمع آيات الله فلا تؤثر فيه فيستمر على حاله كأن لم يسمعها.
فكم سمعنا عن بكاء الصالحين ودموع العابدين، فهل افتقد الدعاة تلك الدموع؟ أم هل جفت دموعهم لما غابت عن البكاء في سبيل الله، إن دموع الداعية إلى الله هي عطر حلال يعطر به نفسه ويزين به وجهه أمام الله.

10- وصفتهم العاشرة: "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ" يعني الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له، قال ابن عباس: أي يخرج من أصلابهم من يعمل بطاعة الله فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة.
سئل الحسن البصري عن هذه الآية، فقال: والله لا شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولداً، أو ولد ولد أو أخا أو حميما مطيعا لله _عز وجل_، وقال ابن عباس أئمة يقتدى بنا في الخير، قال غيره أجعلنا هداة مهتدين دعاة إلى الخير.
وهنا تتراءى أمام الدعاة إلى الله أهمية التربية الإيمانية ووسائلها ومبادئها، فتربية كل راع لرعيته مسؤولية إيمانية، واهتمام الصالحين بأسرهم وأبنائهم صفة خيرية من صفات عباد الرحمن السابقين.

ahmedamin

شكرًا على التصويت

elmalek

شكرا يا مس على هذه الأشياء الجميلة...سننفذ ونأتى لحضرتك المركز.....أنا محتاج دورة intl learnممكن أخدها فى المركز....شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

westing

لاتصال على: 35710008 - 35699066

موبيل: 0193055835 - 0183377353

قطع غيار وستنجهاوس White westing house الاصلى ،

فنيين مدربين من شركة وستنجهاوس White westing house المعتمد.

غسالات وايت وستنجهاوس White westing house ، ثلاجات وايت وستنجهاوس White westing house ، تكيفات وايت وستنجهاوس White westing house ، مجفف وايت وستنجهاوس White westing house ،

فروع شركة وستنجهاوس White westing house لخدمة عميل وستنجهاوس White westing house :

وستنجهاوس White westing house العالمية المعتمدة فرع الدقى

صيانة وستنجهاوس White westing house فرع المهندسين

مركز خدمة وستنجهاوس White westing house فرع الهرم

اصلاح وستنجهاوس White westing house فرع 6 اكتوبر

توكيل و